على مر السنين، غاليليو غاليلي سيصبح واحدًا من أكثر العلماء تأثيرًا في التاريخ، وسيُحدث ثورة في العلوم الفيزيائية والفلكية. لقد كان رائدًا في المنهج التجريبي، وشخصية رئيسية في الثورة العلمية، ويُنسب إليه الفضل في كونه "أبو العلم الحديث".
بدأ جاليليو مسيرته الأكاديمية بتكريس نفسه لدراسة الفيزياء والحركة، مما دفعه إلى التشكيك في النظريات الأرسطية السائدة. في سن 28 عامًا، كان يعمل بالفعل في مجال الهندسة المعمارية العسكرية والإبداعات الميكانيكية، مما عزز سمعته كعالم ومنظر. لكن، وفي عمر 45 عامًا، عندما أتقن استخدام التلسكوب، قام بأول ملاحظات تفصيلية للقمر، تحويل المراقبة الفلكية إلى الأبد.
على الرغم من إنجازاته العلمية، واجه غاليليو معارضة من الكنيسة، التي لم تكن مستعدة لقبول اكتشافاته الفلكية، وخاصة دعم نظرية مركزية الشمس لكوبرنيكوس. ومن أشهر أعماله في هذا الموضوع، "حوار حول أعظم نظامين في العالم"كان الدافع الذي أدى إلى تفاقم صراعه مع الكنيسة. ونتيجة لذلك، حوكم جاليليو وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، على الرغم من السماح له بقضاء عقوبته تحت الإقامة الجبرية في فيلته في أرسيتري.
السياق والشباب في غاليليو
ولد جاليليو جاليلي في 15 فبراير 1564 في بيزا، وهي ولاية إيطالية صغيرة لا تزال تابعة لدوقية توسكانا الكبرى. ابن فينسينزو جاليلي، الموسيقي الموهوب وعالم الرياضيات، تعرض منذ صغره للمناقشات العلمية والفلسفية. في شبابها، أشرف على تعليمها أولاً مدرس خاص ثم دير سانتا ماريا دي فالومبروسا بالقرب من فلورنسا.
في سن السابعة عشرة، كان قبوله في جامعة بيزا بمثابة بداية مسيرته الأكاديمية. على الرغم من أن والده سجله في الدراسات الطبية، إلا أنه سرعان ما اكتشف شغفه الحقيقي: الرياضيات. إن افتتانه بالأرقام والظواهر الفيزيائية تجاوز الطب وقاده إلى التواصل مع شخصيات مثل أوستيليو ريتشي.الذي عرفه بالرياضيات المطبقة على الفلسفة الطبيعية.
الابتكارات التكنولوجية لجاليليو
بالإضافة إلى دوره في مجال علم الفلك، قدم جاليليو أيضًا مساهمات تكنولوجية مهمة. من بين أهم ابتكاراتها نجد البوصلة الهندسية والعسكرية، الذي تم تصميمه في نهاية عام 1597. وقد تم استخدام هذه الأداة، التي سمحت بإجراء مجموعة واسعة من الحسابات الرياضية والهندسية، على نطاق واسع من قبل العسكريين والمهندسين المعماريين.
وفي رغبته في تحسين الأدوات العلمية، قام أيضًا بتصميم منظار، وهو مقدمة لمقياس الحرارة الحديث، والذي سمح بقياس التغيرات في درجات الحرارة بدقة كبيرة.
الاكتشافات الفلكية بالتلسكوب
ازداد اهتمام جاليليو بعلم الفلك بعد أن علم بوجود جهاز بصري بسيط يسمى "الزجاج" تم تصنيعه في هولندا. وبدلاً من تقليده ببساطة، أتقنه غاليليو في عام 1609 وبدأ في استخدامه لمراقبة السماء. سمحت له هذه التطورات بالقيام بالاكتشافات الثورية الأولى في مجال علم الفلك كما هو موضح في عمله "Sidereus Nuncius".
- ملاحظات القمر: كان جاليليو أول من لاحظ الجبال والحفر القمرية، متحديًا الاعتقاد الأرسطي بأن الأجرام السماوية كانت مثالية وناعمة.
- مراحل كوكب الزهرة: دعمت هذه الدورات بقوة نظرية مركزية الشمس لكوبرنيكوس، مما يدل على أن كوكب الزهرة يدور حول الشمس.
- أقمار المشتري: حدد جاليليو لأول مرة أربعة أقمار تدور حول كوكب المشتري، والتي تسمى الآن أقمار جاليليو: آيو، وأوروبا، وجانيميد، وكاليستو.
- بقع الشمس: ومن خلال ملاحظاته المتعددة للشمس، تمكن من تحديد البقع الداكنة، وهو الأمر الذي تحدى فكرة أن الشمس كانت جسمًا ثابتًا.
الصراع مع الكنيسة
لم يلق اكتشاف جاليليو لطبيعة النظام الشمسي قبولاً جيدًا من قبل الكنيسة. أدى دفاعه عن نموذج مركزية الشمس الذي اقترحه كوبرنيكوس إلى اتهامه بالهرطقة.. وكانت الكنيسة في ذلك الوقت تتمسك بنموذج مركزية الأرض البطلمي الذي ينص على أن الأرض هي مركز الكون.
حاول جاليليو الدفاع عن نفسه بالقول إنه لا ينبغي تفسير الكتاب المقدس بشكل حرفي في المسائل العلمية، لكن هذا النهج لم يؤدي إلا إلى زيادة الاضطهاد ضده. وفي عام 1633، اتهمته محاكم التفتيش رسميًا بالهرطقة، وبعد محاكمة مثيرة، أُجبر على التخلي عن أفكاره. على الرغم من تراجعه علنًا، يُعتقد أنه تمتم بالعبارة الشهيرة "Eppur si muove". (وهي تتحرك) أي حركة الأرض حول الشمس.
السنوات الأخيرة لجاليليو وإرثه
قضى غاليليو السنوات الأخيرة من حياته تحت الإقامة الجبرية في منزله في أرسيتري، بالقرب من فلورنسا. وعلى الرغم من مشاكله الصحية، إلا أنه لم يتوقف عن العمل على أبحاثه. وفي عام 1638، وهو الآن أعمى تمامًا، نشر آخر أعماله الرئيسية، "خطابات وإثباتات رياضية في علمين جديدين"والذي وضع فيه أسس الميكانيكا الحديثة.
وفي 8 يناير 1642، توفي جاليليو عن عمر يناهز 77 عامًا. وعلى الرغم من تعرضه للاضطهاد والإدانة في حياته، إلا أن إرثه العلمي بقي. وفي عام 1992، اعترفت الكنيسة الكاثوليكية، في ظل بابوية يوحنا بولس الثاني، رسميًا بخطئها في إدانة غاليليو.، إعادة تأهيل اسمه.
وحتى يومنا هذا، يُذكر جاليليو باعتباره الرائد الذي تحدى الظلامية بالعقل والعلم، وألهم أجيالًا من العلماء، وبشر بعصر جديد في البحث العلمي.
لم يغير جاليليو طريقة مراقبة السماء فحسب، بل وضعت الأساس للعلم الحديث، وتعزيز نهج يعتمد على التجريب والاختبار والملاحظة التجريبية. إن قدرته على التشكيك في اليقين وفتح آفاق جديدة للمعرفة تجعله أحد أهم الشخصيات في تاريخ البشرية.